«المقربون أولى بالمعروف» مقولة كانت تطبق على نطاق واسع في موضوع الزواج والارتباط بين أبناء وبنات العائلة الواحدة حرصا من أفرادها على حسن الاختيار عندما كان الزواج عاملا مهما في توطيد وتمتين العلاقات بين العا
ئلة الواحدة، ومسألة مصيرية تتم باستشارة الكبار الذين يحرصون على مصلحة ابنائهم او بناتهم سواء كان الأمر حفاظا على اسم هذه ال
عائلة او ثروتها او تقاليدها وعاداتها.
لكن مقولة «الذي تعرفه احسن من الذي لا تعرفه»، تغيرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، واصبح موضوع الزواج ما بين افراد العائلة الواحدة امر مرفوض في كثير من الاحيان، ويكفي ان تستشير احدا حوله لتسمع نصيحة جاهزة تقول لك:«ابتعد ما امكن عن العائلة افضل لك». يقول احد الآباء: ان هذا التحول امر طبيعي.
فالزواج في الماضي كان شأنا عائليا، وحدثا مهما يستشار فيه كبار العائلة، ويتم بتوافق الجميع حرصا على المصلحة المادية او الاجتماعية، اما اليوم، فهو شأن فردي لا يتدخل فيه حتى الآباء والامهات، لان الابناء او البنات اصبحوا يختارون شريك حياتهم بناء على علاقات تجمع بينهم اثناء الدراسة او في مجالات حياتية كثيرة تتيح لهم التعرف الى بعضهم بعضا، وبالتالي لم يعد للعائلة المغربية أي يد في زواج ابنائها منذ مدة.
ليس هذا فقط، فحتى الروابط العائلية تغيرت ولم تعد متينة كما كان عليه الحال في الماضي. فهناك كثير من ابناء العائلة الواحدة لا يعرفون بعضهم بعضا بسبب قطيعة نشبت بسبب خلافات حول الارث، او سوء فهم بسيط استفحل، او لمجرد قلة فرص اللقاء فيما بينهم بسبب مشاغل الحياة.
وتقول احدى الامهات ان الروابط العائلية لم تعد كافية للحفاظ وصيانة هذا الزواج كما كان من قبل، حيث كانت رابطة القرابة تمنع الرجل من تطليق زوجته حفاظا على تماسك العائلة، وتجنبا لنشوب الخلافات، اما حاليا فإن شباب اليوم لم يعد يعير أي اهتمام لهذه القرابة، وكثير من الزيجات الفاشلة تسببت في قطيعة حادة بين العائلات استمرت لسنوات. ونتيجة لذلك اصبح معظم الناس يفضلون الغرباء عن الأقارب، لانه حتى ان فشل الزواج لن تتأثر العلاقات العائلية بذلك.
ويقال ايضا: ان تغير القيم الاجتماعية والمادية كانت وراء انتشار هذه الظاهرة، فالعائلات لم تعد متقوقعة ومنعزلة كما كانت في السابق، بل اكتسبت قيما جديدة تحثها على الانفتاح على الآخرين، ولم تعد متعصبة للنسب او العرق.
و للعوامل المادية ايضا دور في تراجع الزيجات العائلية، فغالبا ما تكون الاحوال المادية للاسر في العائلة الواحدة متقاربة، بينما اصبح الشبان والفتيات يتطلعون من خلال الزواج للارتقاء الى مستويات معيشية افضل مما كانوا عليها في ظل اسرهم. فالمثل الذي يقول «مسكين يتزوج مسكينة» ومعناه، فقير يتزوج فقيرة، لم يعد مقبولا عند الجيل الحالي.
الا ان هناك من يرى ان تراجع الزيجات العائلية كان احد اسباب انتشار ظاهرة العنوسة والعزوف عن الزواج، لان تراجع سلطة الآباء في هذا الامر أدت الى زيادة عدد العزاب والعازبات في العائلة الواحدة، بينما كان تزويج الفتيات والفتيان مهمة من اختصاص العائلة الكبيرة التي لا ترضى لابنائها وبناتها ان يظلوا من دون زواج، حيث الأولوية للأقارب قبل الاغراب، وكان التفاخر بعدد الأولاد والأحفاد شائعا.
بيد ان خديجة اميتي، الباحثة المغربية في علم الاجتماع، ترى ان انحسار الزواج العائلي دليل على اتساع مجال الحرية والاختيار بين الافراد بعيدا عن سلطة العائلة، وهذا الامر بحد ذاته ايجابي، برأيها.
فمبررات هذا الزواج لم تعد موجودة، فالعائلات كانت منغلقة تجمع بينها عوامل اقتصادية واجتماعية ومشاركة حتى في السكن، بينما حصل نوع من التباعد على جميع المستويات بقوة التحولات التي عرفها المجتمع مع ظهور الاستقلالية الفردية حتى داخل الاسرة الواحد ة بسبب العمل والسكن المستقل، حتى ان تم الزواج من داخل العائلة، اصبح يخضع لشروط ذاتية، أي وجود رغبة بين الطرفين للارتباط، وليس خضوعا لاعتبارات مادية او اجتماعية، وان كانت سلطة المال تلعب دورا كبيرا حتى في الوقت الراهن في اتمام كثير من الزيجات سواء من داخل او خارج العائلة.
ومن بين الاسباب الرئيسية التي جعلت الزواج العائلي يتقلص، في نظر اميتي، هو خوف الطرفين من نشوب المشاكل التي تعرض العائلة باكملها الى «الفتنة» و«المحاسبة الجماعية»، التي تتعرض لها الاسرة بسبب فشل الزواج وحدوث الطلاق في المستقبل.
واضافت اميتي انه لا يمكن إغفال العوامل البيولوجية او الطبية التي تحذر من زواج الاقارب تفاديا لاستمرار الامراض الوراثية، وان كان هذا الامر يخص صلة القرابة من الدرجة الاولى فقط.
وأوضحت اميتي سببا آخر في تبرير الزواج العائلي في الماضي، ذلك أن الابن لم يكن يتمتع بأي استقلالية عن والده وكان يعيش داخل بيت العائلة الكبير بعد زواجه، وبالتالي كانت الاسرة تفضل ان لا تأتي غريبة لتعيش وسط العائلة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق